فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا}
قوله تعالى: {والذين كَسَبُواْ}: فيه سبعةُ أوجه:
أحدُها: أن يكونَ {والذين} نسقًا على {للذين أحسنوا} أي: للذين أحسنوا الحسنى، واللذين كسبوا السيئاتِ جزاءُ سيئةٍ بمثلها، فيتعادل التقسيم كقولك: في الدار زيدٌ والحجرةِ عمروٌ، وهذا يسميه النحويون عطفًا على معمولي عاملين.
وفيه ثلاثة مذاهب:
أحدها: الجواز مطلقًا، وهو قول الفراء.
والثاني: المنعُ مطلقًا وهو مذهب سيبويه.
والثالث: التفصيل بين أن يتقدَّم الجارُّ نحو: في الدار زيد والحجرةِ عمرو، فيجوز، أو لا، فيمتنع نحو: إن زيدًا في الدار وعمرًا القصر، أي: وإن عمرًا في القصر. وسيبويه وأتباعه يُخَرِّجون ما ورد منه على إضمار الجارِّ كقوله تعالى: {واختلاف الليل والنهار... لآيَاتٍ} [الجاثية: 5] بنصب {آيات} في قراءة الأخوين على ما سيأتي، وكقوله:
أكلَّ امرئٍ تحسبين امرأً ** ونارٍ توقَّدُ بالليل نارا

وقول الآخر:
أَوْصَيْتَ مَنْ تَوَّه قلبًا حُرًّا ** بالكلبِ خيرًا والحماةِ شَرَّا

وسيأتي لهذا مزيدُ بيان في غضون هذا التصنيف. وممَّن ذهب إلى أن هذا الموصولَ مجرور عطفًا على الموصول قبله ابن عطية وأبو القاسم الزمخشري.
الثاني: أن {الذين} مبتدأ، وجزاء سيئة مبتدأ ثانٍ، وخبره {بمثلها}، والباء فيه زائدة، أي: وجزاءُ سيئةٍ مثلها كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40]، كما زِيْدَتْ في الخبر كقوله:
فلا تطمعْ أبيت اللعنَ فيها ** ومَنْعُكها بشيءٍ يُسْتطاع

أي: شيء يستطاع، كقول امرئ القيس:
فإن تَنْأَ عنها حقبةً لا تلاقِها ** فإنَّك ممَّا أَحْدَثْتَ بالمجرِّب

أي: المجرِّب، وهذا قولُ ابن كيسان في الآية.
الثالث: أن الباءَ ليست بزائدةٍ والتقدير: مُقَدَّر بمثلها أو مستقر بمثلها، والمبتدأ الثاني وخبرُه خبرٌ عن الاول.
الرابع: أن خبرَ {جزاء سيئة} محذوفٌ، فقدَّره الحوفي بقوله: {لهم جزاء سيئة} قال: ودَلَّ على تقدير لهم قوله: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى} حتى تتشاكلَ هذه بهذه. وقدَّره أبو البقاء: جزاء سيئة بمثلها واقع، وهو وخبره أيضًا خبر عن الأول. وعلى هذين التقديرين فالباءُ متعلقةٌ بنفس جزاء، لأن هذه المادةَ تتعدَّى بالباء، قال تعالى: {جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ} [سبأ: 17] {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ} [الإنسان: 12] إلى غير ذلك. فإن قلت: أين الرابطُ ين هذه الجملةِ والموصولِ الذي هو المبتدأ؟، قلت: على تقديرِ الحوفي هو الضميرُ المجرور باللام المقدر خبرًا، وعلى تقديرِ أبي البقاء هو الضميرُ المجرور باللام المقدر خبرًا، وعلى تقدير أبي البقاء هو محذوف تقديرُه: جزاءُ سيئة بمثلها منهم واقعٌ، نحو: السَّمْن مَنَوان بدرهم وهو حَذْفٌ مُطَّرد لِما عرفْتَه غيرَ مرة.
الخامس: أن يكونَ الخبرُ الجملةَ المنفية من قوله: {مَّا لَهُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ}، ويكون {مِنْ عاصم} إمَّا فاعلًا بالجارِّ قبله لاعتماده على النفي، وإمَّا مبتدأً، وخبرُه الجارُّ مقدمًا عليه، و{مِنْ} مزيدة فيه على كلا القولين.
و{من الله} متعلقٌ بـ {عاصم}. وعلى كون هذه الجملة خبر الموصول يكون قد فَصَلَ بين المبتدأ وخبره بجملتي اعتراضٍ. وفي ذلك خلافٌ عن الفارسي تقدَّم التنبيهُ عليه وما استدلَّ به عليه.
السادس: أن الخبرَ هو الجملةُ التشبيهية من قوله: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ}، و{كأنما} حرف مكفوف، وما هذه زائدة تسمَّى كافَّةً ومهيِّئة، وتقدَّم ذلك. وعلى هذا الوجه فيكون قد فَصَلَ بين المبتدأ وخبره بثلاثِ جملِ اعتراض.
السابع: أن الخبر هو الجملة من قوله: {أولئك أَصْحَابُ النار}، وعلى هذا القولِ فيكونُ قد فصل بأربعِ جمل معترضة وهي: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا}، والثانية: {وتَرْهَقُهم ذلة}، والثالث: {مَّا لَهُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ}، الرابع: {كأنما أُغْشيت}. وينبغي أن لا يجوز الفصل بثلاثِ جملٍ فضلًا عن أربع.
وقوله: {وَتَرْهَقُهُمْ} فيها وجهان أحدهما: أنها في محل نصب على الحال. ولم يُبَيِّنْ أبو البقاء صاحبَها، وصاحبُها هو الموصولُ أو ضميرُه. وفيه ضعفٌ لمباشرته الواو، إلا أن يُجْعَلَ خبرَ مبتدأ محذوف. الثاني: أنها معطوفة على {كسبوا}.
قال أبو البقاء: وهو ضعيف لأن المستقبلَ لا يُعْطَفُ على الماضي. فإن قيل: هو بمعنى الماضي فضعيفٌ جدًا.
وقرئ: {ويَرْهقهم} بالياء من تحت، لأنَّ تأنيثَها مجازي.
قوله: {قِطَعًا} قرأ ابن كثير والكسائي {قِطْعًا} بسكون الطاء، والباقون بفتحها. فأما القراءة الأولى فاختلفت عبارات الناس فيها، فقال أهل اللغة: القِطْع ظلمة آخر الليل. وقال الأخفش في قوله: {بقِطْع من الليل} بسواد من الليل. وقال بعضهم: طائف من الليل، وأنشد الأخفش:
افتحي الباب فانظري في النجومِ ** كم علينا من قِطْعِ ليلٍ بَهيم

وأمَّا قراءةُ الباقين فجمعُ قِطْعة نحو: دِمْنة وَدِمَن، وكِسْرة وكِسَر وعلى القراءتين يختلف إعراب {مظلمًا}، فإنه على قراءةِ الكسائي وابن كثير يجوز أن يكونَ نعتًا لـ {قِطْعًا}، ووُصِف بذلك مبالغةً في وَصْف وجوهِهم بالسواد، ويجوز أن يكونَ حالًا فيه ثلاثةُ أوجه:
أحدها: أنه حالٌ من {قِطْعًا}، وجاز ذلك لتخصُّصه بالوصف بالجارِّ بعده وهو {من الليل}.
والثاني: أنه حالٌ من {الليل}.
والثالث: أنه حالٌ من الضميرِ المستتر في الجارِّ لوقوعه صفة.
قال الزمخشري: فإن قلت: إذا جعلت {مظلمًا} حالًا من {الليل} فما العاملُ فيه؟ قلت: لا يخلو: إما أن يكونَ {أُغْشِيَتْ} من قِبل أنَّ {من الليل} صفةٌ لقوله: {قِطْعًا}، وكان إفضاؤه إلى الموصوفِ كإفضائه إلى الصفة، وإما أن يكونَ معنى الفعل في {من الليل}.
قال الشيخ: أمَّا الوجه الأول فهو بعيدٌ لأنَّ الأصلَ أن يكون العاملُ في الحال هو العاملَ في ذي الحال، والعاملُ في {من الليل} هو الاستقرار، و{أُغْشِيَتْ} عاملٌ في قوله: {قطعًا} الموصوف بقوله: {من الليل} فاختلفا، فلذلك كان الوجهُ الأخير أَوْلى، أي: قطعًا مستقرةً من الليل، أو كائنةً من الليل في حال إظلامه.
قلت: ولا يَعْني الزمخشري بقوله: إنَّ العامل أُغْشِيَتْ إلا أنَّ الموصوفَ وهو {قِطْعًا} معمول لأُغْشِيَتْ والعامل في الموصوف هو عاملٌ في الصفة، والصفة هي {من الليل} فهي معمولةٌ لـ {أُغْشِيَتْ}، وهي صاحبةُ الحال، والعاملُ في الحال هو العاملُ في ذي الحال، فجاء من ذلك أنَّ العاملَ في الحال هو العاملُ في صاحبها بهذه الطريقةِ. ويجوز أن يكونَ {قِطْعًا} جمع قطعة، أي: اسم جنس، فيجوز حينئذٍ وصفُه بالتذكير نحو: {نَخْلٌ مُنْقَعِر} والتأنيث نحو: {نخل خاوية}.
وأمَّا قراءة الباقين فقال مكي وغيره: إن {مظلمًا} حال من {الليل} فقط. ولا يجوز أن يكون صفةً لـ {قِطَعًا}، ولا حالًا منه، ولا من الضمير في {من الليل}، لأنه كان يجب أن يقال فيه: مظلمة. قلت: يَعْنُون أنَّ الموصوف حينئذ جمعٌ، وكذا صاحب الحال فتجب المطابقةُ. وأجاز بعضهم ما منعه هؤلاء وقالوا: جاز ذلك لأنَّه في معنى الكثير، وهذا فيه تعسُّفٌ.
وقرأ أُبَي: {تغشى وجوهَهم قِطْعٌ} بالرفع، {مظلمٌ}.
وقرأ ابن أبي عبلة كذلك، إلا أنه فتح الطاء. وإذا جَعَلْتَ {مُظْلمًا} نعتًا لـ {قطعًا}، فتكون قد قَدَّمْتَ النعتَ غير الصريح على الصريح.
قال ابن عطية: فإذا كان نعتًا يعني مظلمًا نعتًا لقطع فكان حقه أن يكون قبلَ الجملة، ولكن قد يجيءُ بعد هذا، وتقدير الجملة: قطعًا استقرَّ من الليل مظلمًا على نحو قوله: {وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 155].
قال الشيخ: ولا يتعيَّنُ تقديرُ العاملِ في المجرور بالفعل فيكونُ جملة، بل الظاهرُ تقديره باسم الفاعل فيكون من قبيل الوصف بالمفرد، والتقدير: قطعًا كائنًا من الليل مظلمًا. قلت: المحذورُ تقديمُ غيرِ الصريحِ على الصريح ولو كان مقدَّرًا بمفرد.
و{قطعًا} منصوبٌ بـ {أُغْشِيَتْ} مفعولًا ثانيًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ}
والذين كسبوا السيئاتِ وعملوا الزَّلاتِ لهم جزاء سيئة مثلها، والباء في «بمثلها»: صلة أي للواحد واحد.
{وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}: هو تأبيد العقوبة.
{مَّا لَهُ مِنّ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} أي ما لهم من عذابه من عاصم، سِيمُوا ذُلَّ الحجاب، ومُنُوا بتأبيد العذاب، وأصابهم هوان البعاد، وآثارُ الحجاب على وجوههم لائحة فإنَّ الأَسِرَّةَ تدلُّ على السريرة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (28):

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين سبحانه مآل الفريقين، نبه على بعض مقدمات ذلك المانعة أن يشفع أحد من غير إذنه بقوله: {ويوم} أي وفرقنا بينهم لأنه لا أنساب هناك ولا أسباب فلا تناصر يوم {نحشرهم} أي الفريقين: الناجين والهالكين العابدين منهم والمعبودين حال كونهم {جميعًا} ثم يقطع ما بين المشركين وشركائهم فلا يشفع فيهم شيء مما يعتقدون شفاعته ولا ينفعهم بنافعة، بل يظهرون الخصومة ويبارزون بالعداوة وهو ناظر إلى قوله تعالى: {إنه يبدأ الخلق ثم يعيده} [يونس: 4] وإلى قوله: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم} [يونس: 18] والحشر: الجمع بكره من كل جانب إلى موقف واحد؛ وأشار سبحانه إلى طول وقوفهم بقوله: {ثم نقول للذين أشركوا} أي بنا من لم يشارك في خلقهم؛ وقوله: {مكانكم} نقل أبو حيان عن النحوين أنهم جعلوه اسمًا لأثبتوا، ورد على الزمخشري تقديره بألزموا لأنه متعد ويجب أن يساوي بين الاسم والمسمى في التعدي واللزوم، أي نقول لهم: قفوا وقوف الذل {أنتم وشركاؤكم} حتى ينفذ فيكم أمرنا إظهار لضعف معبوداتهم التي كانوا يترجونها وتحسيرًا لهم، فلا يمكنهم مخالفة ذلك.
ولما كان التقدير: فوقفوا موافقة للأمر على حسب الإرادة، عطف عليه مسببًا عنه قوله: {فزيلنا} أي أزلنا إزالة كثيرة مفرقة ما كان {بينهم} في الدنيا من الوصلة والألفة حتى صارت عداوة ونفرة فقال الكفار: ربنا هؤلاء الذين أضلونا، وكنا ندعو من دونك {وقال شركاؤهم} لهم متبرئين منهم بما خلق لهم سبحانه من النطق {ما كنتم} أي أيها المشركون، وأضاف الشركاء إليهم لأنهم هم الذين نصبوهم بغير أمر ولا دليل ولأنهم جعلوا لهم نصيبًا من أموالهم {إيانا تعبدون} أي تخصوننا بالعبادة لأنا لا نستحق ذلك إشارة لى أنه لا يعبد إلاّ من يستحق الإخلاص في ذلك بأن يعبد وحده من غير شريك، ومن لا يستحق ذلك لا يستحق مطلق العبادة ولا يصلح لها، وكل عبادة فيها شرك لا تعد أصلًا ولا يرضى بها جماد لو نطق، فمتى نفي المقيد بالخلوص نفي المطلق لأنه لا اعتداد به أصلًا، ومن المعلوم أن ما كان بهذه الصفة لا يقدم عليه أحد، فنحن نظن أنه لم يعبدنا عابد فضلًا عن أن يخصنا بذلك، والشخص يجوز له أن ينفي ما يظن نفيه ونحن لم نعلم شيئًا من ذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن هذا نوع آخر من شرح فضائح أولئك الكفار، فالضمير في قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} عائد إلى المذكور السابق، وذلك هو قوله: {والذين كَسَبُواْ السيئات} [يونس: 27] فلما وصف الله هؤلاء الذين يحشرهم بالشرك والكفر، دل على أن المراد من قوله: {والذين كَسَبُواْ السيئات} الكفار، وحاصل الكلام: أنه تعالى يحشر العابد والمعبود، ثم إن المعبود يتبرأ من العابد، ويتبين له أنه ما فعل ذلك بعلمه وإرادته، والمقصود منه أن القوم كانوا يقولون: {هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} [يونس: 18] فبين الله تعالى أنهم لا يشفعون لهؤلاء الكفار، بل يتبرؤن منهم، وذلك يدل على نهاية الخزي والنكال في حق هؤلاء الكفار، ونظيره آيات منها قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا} [البقرة: 166] ومنها قوله تعالى: {ثُمَّ يَقُولُ للملائكة أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سبحانك أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن} [سبأ: 40، 41].
واعلم أن هذا الكلام يشير على سبيل الرمز إلى دقيقة عقلية، وهي أن ما سوى الواحد الأحد الحق ممكن لذاته، والممكن لذاته محتاج بحسب ماهيته، والشيء الواحد يمتنع أن يكون قابلًا وفاعلًا معًا، فما سوى الواحد الأحد الحق لا تأثير له في الإيجاد والتكوين، فالممكن المحدث لا يليق به أن يكون معبودًا لغيره، بل المعبود الحق ليس إلا الموجد الحق، وذلك ليس إلا الموجود الحق الذي هو واجب الوجود لذاته، فبراءة المعبود من العابدين، يحتمل أن يكون المراد منه ما ذكرناه.
والله أعلم بمراده.